سيدة والسينغهام

العذراء قرب البحر

تبدأ قصتنا عام 1061 في قرية صغيرة في نورفولك الشمالية، في انجلترا، قرب بحر الشمال، في عهد إدوارد المعترف قبل ما يزيد عن 900سنة. ففي الأيام التي سبقت الغزو النورماندي مباشرة عاشت أرملة تقية صغيرة السن تدعى ريشيلديس دي فافيرشي، سيدة مزرعة والسينغهام و في تلك السنة 1061 ظهرت السيدة العذراء لتلك الأرملة الشابة و يقال بأن السيدة العذراء ظهرت ثلاث مرات في رؤيا و في كلّ مرة أرت ريشيلديس المنزل الذي سكنته العائلة المقدسة في الناصرة، و طلبت العذراء مريم من ريشيلديس بناء نسخة من هذا المنزل في والسينغهام و قالت لها:" قومي بذلك لأجل مجدي و إكرامي الخاص، وكلّ من يعاني الكرب أو لديه حاجة من أي نوع دعيه يطلبني هنا في هذا المنزل الصغير الذي بنيته في والسينغهام، فكلّ من يطلبني هناك سينال المعونة. و هناك في والسينغهام، في ذلك المنزل الصغير سيتمّ إحياء ذكرى فرح بشارتي العظيم عندما أخبرني القديس جبرائيل بأنني بالتواضع سأصبح أمّ ابن الله."

في العصور الوسطى أصبحت والسينغهام واحدة من أهمّ مواقع الحج في أوروبا بأسرها و بنيت كنيسة حول المنزل لحمايته. و قد أتى الناس إلى المزار من بريطانيا، ايرلندا، و القارة الأوروبية كلّها و من جميع الطبقات الاجتماعية ، القروي، الملك، الغني و الفقير. في المنزل المقدس كان الجميع متساوين، من عهد هنري الثالث عام 1226 قصد المزار جميع ملوك و ملكات إنجلترا إضافة إلى إيزابيلا ملكة فرنسا و روبرت بروس ملك اسكتلندا. في أوائل القرن السادس عشر قام الملك هنري الثامن بزيارة المنزل المقدس حاجاً أكثر من مرة، و في إحدى هذه المرات سار حافي القدمين ضعف المسافة التي يقطعها التائبون. لكنّ طرق هنري تغيرت مع مرور السنين، فمن ضمن جهوده للتخلص من زوجته الملكة كاثرين و الزواج بأخرى، انفصل الملك عن الكرسي الرسولي و أجبر البرلمان على إعلانه رئيساً للكنيسة الانجليزية، و بعد ذلك و في عام 1538 كان هنري على وشك التحرك ضد جميع الرهبنات و الأخويات و الجماعات الدينية في مملكته فصادر و أحرق المنزل المقدس لسيدة والسينغهام و انهارت كنيسة الدير الرائعة المجاورة له و لم يبق إلا جزء من الجدار الشرقي الكبير ظاهراً اليوم. و بالنسبة للمنزل المقدس نفسه فقد وجد علماء الآثار بقايا من أساساته تحت طبقة رقيقة من الرماد فوق تلة مستطيلة الشكل قرب الدير.

لكن في القرن التاسع عشر بدأت سيدة أنجليكانية ثرية تدعى شارلوت بويد بترميم المزار تماماً كما قامت سيدة ثرية ببنائه في القرن الحادي عشر. و كانت آخر محطة توقف للحجاج المسافرين من لندن إلى والسينغهام هي كنيسة صغيرة على بعد ميل تدعى " كنيسة الخُف " لأن الحجاج كانوا يتركون أحذيتهم عندها قبل ان يسيروا آخر ميل و هم حفاة وصولاً إلى المزار. كان البناء القديم الذي يعود للقرن الرابع عشر يستخدم حظيرة لوضع الحيوانات قبل أن ترغب شارلوت بويد بترميمه و قبل أن تنفذ خطتها أصبحت كاثوليكية و قامت عام 1890 بشراء الكنيسة الصغيرة و تبرعت بها للدير السفلي و قد تولت جمعية سيدة رانسوم مهمة الترميم و تمّ نحت تمثال للسيدة العذراء و هي واقفة و بجانبها الطفل يسوع ليكرّم تكريماً خاصاً و يوجد هذا التمثال حالياً في مدينة ( King’s Lynn ) أو مدينة حديقة الملك و هي مدينة و مرفأ في نورفولك.

قبل ما يقارب القرن في 20 آب / أغسطس عام 1897، انطلق موكب حجاج من مدينة King’s Lynn إلى كنيسة الخُف و هو ما شكّل تجديداً للتكريم العام لسيدة والسينغهام و لكن لجيل او أكثر لم تظهر الكنيسة الكاثوليكية اهتماماً كبيراً بالمزار و قد بُرر الأمر بأنّه خلال القرن التاسع عشر لم يكن الكاثوليكيون في انجلترا و ويلز سعداء بمحاولات الكاردينال مانينغ و غيره لتشجيع التكريم و المواكب و الطقوس العلنية حيث كان المؤمنون معتادين على طرق أكثر تحفظاً لممارسة الصلاة، فبعض العائلات التي كانت ترفض هذه الممارسات اعتبرتها غير انجليزية و مستوردة من الخارج، و نتيجة لذلك كان لمزار والسينغهام المرمم تأثير ضئيل على حياة المسيحيين في انجلترا على وجه الخصوص.

بقي المزار شبه خال و منسياً قرابة 400 عام و بقيت آثار الدير فقط شاهدة على حياته السابقة. و في عام 1922 رغب كاهن الأبرشية في كنيسة القديسة مريم عذراء والسينغهام الأب هوب باتن في صنع مثال لسيدة والسينغهام فوجد في المتحف البريطاني ختم الدير الذي يعود للقرون الوسطى تتوسطه صورة للسيدة العذراء و التي يعتقد انها تمثّل الصورة التي دمرت أثناء حملة الملك هنري. وضع التمثال في كنيسة الأبرشية و عاد الحجاج في الحال يطلبون البركة كما كان الحال قبل الدمار. في عام 1931 اصبحت أعداد الحجاج كبيرة جداً بحيث لم تعد كنيسة الأبرشية تتسع لهم فبنيت كنيسة جديدة و في وسطها المنزل المقدس و أيقونة السيدة العذراء فوق المذبح. و بذلك عاد مزار سيدة والسينغهام للحياة من جديد و يستمر في أيامنا هذه باستقطاب الآلاف كلّ عام الذين يأتون كما كان أسلافهم في القرون الوسطى لاكتشاف معنى " الله معنا " و تأثير محبة و نعمة الله الشافية المُحِبة.

في آب / أغسطس عام 1934 قاد الكاردينال بورن أساقفة انجلترا و ويلز الكاثوليك و عشرة آلاف حاج إلى كنيسة الخُف و منذ ذلك التاريخ أصبحت المزار الرسمي الكاثوليكي الوطني. و احتفل بالذكرى المئوية الرابعة لتدمير المزار عام 1938 بموكب حج من الشباب الكاثوليكي، و في عام 1948 نصب أربعة عشر صليباً من خشب البلوط في الحديقة و هناك تقليد بأن يمشي الحجاج الميل الأخير حفاة. لقد قصد المزار آلاف الأشخاص، البعض جاء لحاجته الروحية لجو السلام الذي ينبعث من الكنائس، آخرون للتمتع بالجمال، في حين يعبره آخرون بمحض الصدفة عندما يرغبون في الإقامة في وادي نورفولك المنعزل هذا.

صلاة إلى سيدة والسينغهام

يا مريم الطوباوية ، يا سيدة والسينغهام، يا أمّ الله و ملكتنا و أمّنا الرقيقة، أنظري بعطف إلينا، إلى أبرشيتنا، بلادنا، بيوتنا، عائلاتنا، و إلينا جميعاً نحن الذين وضعنا أملنا و ثقتنا بصلواتك ( و خصوصاً...). بك أعطي مخلصنا و ربنا يسوع المسيح للعالم و أعطانا إياكِ ليستمر رجاؤنا. اشفعي فينا نحن أبناءك الذين قبِلتهم عند أقدام الصليب أيتها الأمّ الحزينة. تشفعي لإخوتنا المنشقين لكي بتحدوا معنا بالراعي الرئيسي، الأب الأقدس . صلّي لأجلنا يا أمّنا الحبيبة لكيما بإيمانا المثمر أعمالاً صالحة نكون مستحقين لأن ترى و نمجّد الله، معك في بيتنا السماوي.

آمين